السبت، يونيو 23، 2012

الاثنين، يونيو 04، 2012

الديمقراطية أساس التعليم


بقلم شيخ التربويين : الأستاذ الدكتور حامد عمار
نقلا عن جريد الاهرام : http://www.ahram.org.eg/Issues-Views/News/153417.aspx
في كثير من الحالات يجري الحديث بين عمالقة التربية في قضية اعتبار التعليم أساس الديمقراطية‏.‏ ومن خلاله يتم إنجاز عمليات التنمية الشاملة واحتياجاتها البشرية‏.‏ 
ويتساءل المرء حول إشكالية مفادها أنه مادام للتعليم كل هذه الإمكانات فلماذا الشكوي المستمرة من سياساته ومؤسساته ومناهجه وعوائده الاقتصادية والاجتماعية والبشرية.
وللإجابة السريعة عن هذا العجز عن بلوغ التعليم في تحقيق غاياته المنشودة, حين نتحدث عن تعليم بصورة مطلقة دون توصيف أو تحديد لنوعية التعليم المنشودة, وكأن للتعليم كيانا مستقلا. وهذا التعميم المطلق يتجاهل علاقته بالمنظومة السياسية الحاكمة لترتيب العلاقات ومضامينها وتوزيعها بين مختلف القوي والفئات المجتمعية. هذا فضلا عن أدوار تعليمية غير مباشرة سواء من مؤسسات الأسرة والإعلام والثقافة والمجتمع المدني. وجميعها مختلط ومتأثر كذلك بالتوجهات والضغوط الخارجية من تيارات العولمة وموجات الفكر والثقافات العالمية.
والمستعرض للعلاقة بين التعليم والنظام السياسي عبر التاريخ في العالم وفي مصر يدرك الدور الحقيقي في ارتباطه ومقاصده بالنسق السياسي العام وأيديولوجيته سواء في صورته القبلية أو الأوتوقراطية أو الدينية أو التسلطية أو في صورتها الديمقراطية والتشاركية والإنسانية. وباختصار قد يوظف السياق السياسي التعليم إما للحرية أو للقهر سواء من خلال مناهجه المعلنة أو الخفية, أو في تنمية قدرات المتعلم بين التفكير الناقد, وبين الحفظ والتلقين من خلال سلطة المعلم والأجواء الإدارية والتنظيمية لعملية التعليم وصورتها البيروقراطية. ولعله من المفيد هنا أن نقتبس رأي المفكر الفرنسي جورج سنادير الذي يري (استحالة وجود المدرسة وتعليمها في النظام الرأسمالي التي لا ترتبط بمصالح طبقة اجتماعية معينة, وتزعم أنها تخدم جميع الفئات الاجتماعية دون استثناء... إن هذه المدرسة ليست في نهاية الأمر سوي أكذوبة برجوازية, هدفها خداع الجماهير). ثم إن قوي الاستبداد والفساد كما تجلت في مصر خلال الأربعين سنة الماضية لم تقتصر علي أفاعيلها الظاهرة من مختلف صور القهر والعسف, بل لجأت كذلك إلي أفاعيل الدهاء والتزييف في سياسات التعليم ومشروعاته وقوانينه ومؤسسات (الجودة) في قبلة التعليم, لكن باطنها غدا سبيلا إلي (الحودة) عن الطريق الرشيد. وقد أدي طغيان ذلك التضليل في دعاوي التجديد ومشروعات الإصلاح ومؤتمراته إلي أن يستبطن الشعب وقياداته بمن فيهم كثير من التربويين قبول هذا التزييف وأصبحوا هم من عوائق التجديد والتغيير أو الاكتفاء بأسلوب حدائق الإنشاء في معالجة قضايا التعليم وسمومه.
ومع ثورة الشباب في الخامس والعشرين من يناير التي انفجرت في انطلاقة جبارة لتكثف كل ذلك الزيف ولتعلن القبلة المنشودة في ديمقراطية أعمدتها الحرية والعدالة والكرامة. ومن ثم تصبح القبلة الديمقراطية هي الأساس لكل ما يترتب عليها من تغيير أو تطوير أو تجديد في مؤسسات المجتمع ومن بينها التعليم- ليس لأي تعليم- وإنما لتعليم ديمقراطي. ومن هنا فإن أي مشروعات أو مستحدثات في جسم التعليم إنما ينبغي أن يحكم عليها الآن بمدي اتساقها أو تناقضها مع هذه القبلة الديمقراطية. ومن ثم يصبح شعارنا هو تعليم ديمقراطي وليس أي تعليم مرة أخري, يستند أولا وأخيرا علي قيم تأسيس مجتمع ديمقراطي, ومجتمع ديمقراطي يوفر الإمكانات التي تحقق أجواء تعليم ديمقراطي ينمي قيم الحرية والعدالة والكرامة ومجتمع المعرفة والعلم في تكوين ثروته البشرية.
وفي تركيزي علي أهمية استكمال الديمقراطية في مسيرة مجتمعنا اليوم وغدا أتذكر مقالا للمفكر الإسلامي الأمين الرصين أ. فهمي هويدي بعنوان (الديمقراطية قبل الشريعة, والاستقلال قبل الاثنين) وبهذا يضع الأولويات لدي مطلب بعض الجماعات الإسلامية حين يمثل تطبيق الشريعة أولويتها بينما يسبقها في رأية ضمانات تأسيس مقومات الديمقراطية. وفي سياق هذا المقال يصح لنا القول (الديمقراطية قبل التعليم وحرية القرار السياسي قبل الاثنين حتي لا يحول دونه أي قوي خارجية أجنبية.