بيت الشعر:
القصة :
أن رجل بدوي تزوج فتاة من قبيلته، ذات حسن وأدب
وأخلاق ودين، وبعد مضى عام على زواجه منها، نشبت بين هذا الرجل وبين أحد
أبناء عمومته مشاجرة كبيرة ، فقتله ، ورحل الرجل مع زوجته بعيداً عن الديرة كما
تقتضيه أعراف القبلية ، وتوجه إلى ديار قبيلة ثانية ، وبعد فترة اعتاد هذا الرجل
كثرة الجلوس في مجلس شيخ هذه القبيلة مثله مثل بقية الرجال للسمر وتدارس مختلف
الأمور ، وفي أحد الأيام مر الشيخ من أمام بيت صاحبنا ، وشاهد زوجته فسُحِر
بجمالها ، واستولت على لبه وعقله ، وخطرت له فكرة شيطانية ، وهي أن يبعد الزوج عن
البيت ، لينفرد بالزوجة ، ويقضي منها وطرا ً .
فعاد إلى مجلسه ، وكان عامرا ً بالرجال ومن
بينهم صاحبنا .
فقال : ربعي ! علمت أن الديرة الفلانية فيها
ربيع ما مثله ! وأريد أن أرسل إليها أربعة رجال يرودونها ، ويتأكدون من الربيع
فيها ، واختار أربعة من الرجال ومن بينهم زوج المرأة الجميلة ، فسار الأربعة بكل
طيب خاطر ، والمكان الذي ذكره يستغرق ثلاث أيام ذهاب الفرسان وإيابهم ، وعندما
أرخى الليل سدوله ..انتظر إلى أن ينام الناس ، سار إلى بيت جيرانه حيث لم يكن فيه
سوى المرأة وحيدة ، وكانت نائمة ، وقبل أن يصل.. ارتطم في العامود وأحدث صوتاً
مرعبا ً لها ، أفاقت المرأه على الصوت .
صاحت : من بالبيت ؟!
الشيخ : أنا فلان شيخ العرب .
البدوية : حياك الله ! وماذا تريد يا شيخ العرب
في مثل هذا الوقت ؟!
الشيخ :أذهلني جمالك عندما رأيتك ، وسلبت عقلي
وقلبي ، وأريد قربك ووصالك !
البدوية : لا مانع عندي ! بشرط ، إليك لغز، إذا
حللته أكون لك كما تريد !
الشيخ : اشرطي وتشرَّطي ، وجميع شروطك مُجابة !
البدوية : حتى لايجيف اللحم ( أي يتحول إلى
جيفة ) يرشون عليه الملح ! فمن يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟! ولك أن تستعين
بمن تريد ، فإذا جئتني بالحل صرت لك كما تريد !
الشيخ : أنصفتِ ، وسآتيك بالحل في الليلة
القادمة !
ذهب الشيخ إلى بيته بخفي حنين ، وأمضى ليله
يفكر بحل اللغز ولم يصل إلى نتيجة ، وثاني يوم وكان الرجال جالسين في مجلسه ...
سأل الشيخ الجالسين وبصورة مفاجأة : حتى لايجيف
اللحم يرشون عليه الملح ! من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!
وكل من رد من الحضور كان رده على قدر فهمه
وعلمه ، فلم يقتنع الشيخ برأي واحد منهم ، وكان أحد الرجال المحنكين الدهاة أصحاب
الفطنة والحكمة والعلم والأدب والدين موجودا ً في المجلس ، لكنه لم يقل شيئا ،
وانصرف جميع من في المجلس إلا هو لم ينصرف ، فقد بقي .. .
فصاح الشيخ في وجهه : أنت ما جاوبت على سؤالي !
قال له الرجل : أردت أن أكلمك على انفراد !
فأصل اللغز بيت من الشعر قاله أمير أهل الحديث وهو أبو سفيان الثوري ، وبيت الشعر
هو :
يا رجال العلم يا ملح البلد * من يُصلِحُ
الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!
وإن لم يخب ظني فإنك ٌ راودت امرأة عالية
المقام في الذكاء والعلم والدين والأدب عن نفسها ، فأرادت أن تصدك ولا تفضحك ، وأن
تكسبك كأخ لها ولا تخسرك وتزيد إلى أعدائها أعداء أهلها عدوا بحجمك ومقامك ، وتحفظ
بعلها إن غاب وإن حضر ، وقد قالت لك ما قالت ، وكأنها تريد أن تقول لك ولمن سمعك :
يا شيوخ العُرب يا ملح البلد * من يُصلِحُ
الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!
فهي تقصد : إن الرجل من القبيلة إذا فسد أصلحه
شيخ القبيلة كما يصلح الملحُ اللحم ! فمن يصلح الشيخ إذا الشيخ فسد ؟!
وكأن هذه الإجابة أيقظت ضميره النائم ، وقلبه
الهائم ، وعقله الظالم ، وأصابه الخجل الشديد من فعلته الشنعاء ، وملأه الندم على
ما كان منه من المكائد والمفاسد !
وقال : أصبت كبد الحقيقة أيها المبجل ! فاستر
عليَّ زلتي سترك الله في الدنيا والآخرة
منقوله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق